هذه المدونة مخصصة لمناقشة مشروع الترجمة الجامعية، المفصل في هذا الموضوع:

مشروع الترجمة الجامعية: فكرة عبقرية لردم الفجوة الحضارية

ومناقشة كل إيجابياته وسلبياته، ونشر الاقتراحات الجديدة والتعديلات المستحدثة عليه، ومتابعة آخر تطورات المشروع وردود الفعل حوله.. لهذا أرجو منكم التفاعل والمشاركة بحماس في نشر هذا المشروع والسعي إلى تحويله إلى حقيقة.. ويسعدني تلقي اقتراحاتكم على البريد: msvbnet@hotmail.com.. ولا تنسوا المشاركة في استطلاع الرأي الموجود أعلى الصفحة الرئيسية.


السبت، 23 يناير 2010

سؤال متكرر: هل ستغير الترجمة العقلية العربية المترهلة حقا؟

س: أتظن أن الترجمة ستغير شيئا في واقعنا فعلا، أم أن العقلية العربية المترهلة ستجعل العلوم المترجمة مجرد كم مهمل جديد ويستمر وضعنا كما هو عليه الآن؟


ج: العلم يصنع العقلية العلمية التي تخطط وتنفذ وتطور وتعالج الأخطاء.

والعقلية العلمية هي التي تطور العلم والتعليم والبحث العلمي والتقنية والاقتصاد!

هذا معناه أن هناك علاقة ارتدادية Feedback بين العلم والعقلية العلمية، وكلاهما يحتاج إلى الآخر، ونحن لا نملك أيهما حاليا ـ خاصة مع هروب عباقرتنا إلى الخارج ـ  بل إن الوسط التعليمي الحالي الذي نضيع فيه أعمارنا ونقودنا، يعلمنا التفكير من داخل الصندوق كما يقول د. نبيل فاروق، فالامتحان يأتي من المنهج فقط، ولا يهم أي شيء غيره.. لهذا يدمر التعليم في شخصية الطفل حب التساؤل، فالطفل الذي يسأل يضيع وقت الحصة وينال سخط المعلم!.. ولو أجريتم اختبارا بسيطا بسؤال أنفسكم ومن تعرفونهم من الطلبة والخريجين عن معاني بعض الآيات التي تحفظونها منذ طفولتكم المبكرة، فستصعقون.. فمن النادر مثلا أن تجدوا أحدا يعرف معنى كلمة الفلق، أو غاسق، أو وقب، في سورة الفلق التي يرددها كل يوم منذ نعومة أظفاره!

وهذه ليست مشكلة لغوية أو دينية، بل مشكلة مناخ ثقافي قتل الفضول والتساؤل وربانا على التراخي والكسل وعدم الانتباه إلى أهمية الفهم قبل الحفظ، في مدارس شعار مدرسيها: "حافظ؟.. سمّع" وشعار وزرائها "الامتحان في مستوى الطالب المتوسط ولم يخرج عن كتاب الوزارة"!

هذا رغم أن القرآن الكريم الذي نحفظ جميعا كله أو بعضه يؤكد على ضرورة التفكر والتأمل في الكون والخلق ونفس الإنسان، وهو الذي صنع الحضارة الإسلامية التي اقتبسها الغرب فخرج من القرون الوسطى.. إننا نركب الطائرة الآن لأن "عباس بن فرناس" جمع أهل قرطبة يوما ليشهدهم على محاولته النفاذ من أقطار السماوات والأرض مصداقا لقوله تعالى: "إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان"، فصنع جناحين وذيلا وحاول الطيران، ونجح فعلا فيما يشبه الخفاش الطائر حاليا، لكنه لم يستطع التحكم في هبوطه، فكسرت ساقاه!

واليوم يملك الغرب سلطان العلم وصواريخ الفضاء للنفاذ من قطر الأرض، بينما نحن قانعون بحفظ هذه الآية الكريمة فقط دون أن نطبقها!

يبدو للأسف أننا دخلنا في دائرة: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"، ووقعنا تحت طائلة "كمثل الحمار يحمل أسفارا".

ولتغيير كل هذا يجب على الآباء تنمية فضول وتساؤل أبنائهم، مهما كان هذا مزعجا، ويجب تغيير منظومة التعليم بالكامل لتحض على البحث عن المعرفة، وليس حفظ بعض المناهج، وأن يكون الجزء الأكبر من الدارسة ميدانيا في البيئة المحلية خارج الفصل، لدراسة ظواهرها وثرواتها ومشاكلها ووضع حلول لهذه المشاكل، كما يجب أن تلغى تماما فكرة الامتحان من كتاب المدرسة، ويصير الامتحان في قاعة الحاسب الآلي، ويتاح للطالب الدخول على الإنترنت، ويتم سؤاله عن أي شيء داخل وخارج المنهج، لأن المعرفة صارت متاحة ورخصية وأضخم مليارات المرات من حجم الكتب المدرسية، ولا يمكن حفظها كلها، والعبقرية في هذا العصر تكمن في القدرة على الوصول إلى المعلومة المطلوبة والتأكد من صحتها واستغلالها في حل المشكلة، وليس مجرد حفظ بعض المعلومات التي لا تقدم بل تؤخر!

وعموما، مشروع الترجمة هو فكرة من خارج الصندوق، ولو تم تطبيقه فسيعمل على تثوير التعليم وحجم المعارف المتداولة بين الطلبة والأساتذة، بسبب دخول آلاف المراجع في عملية الترجمة، وتجددها مع كل دفعة جديدة من الطلبة، كما سيثر التساؤلات والنقاشات عن أنسب التراجم والمصطلحات المعربة، وسيغير تماما من عقلية الرضا بالمتاح من المعرفة، والقناعة بالجهل الذي هو كنز يجب أن يفنى، التي ربانا عليها نظام التعليم العقيم الحالي!

كما أن هذا سينعكس على المجتمع ككل حتى خارج الوسط التعليمي، فتوفير العلم في لغة أي أمة، يزيد تدريجيا من العقليات العلمية فيها، ويغير وعي وثقافة أجيالها الجديدة، ويرفع كفاءة النخبة الحاكمة التالية ورجال الثقافة والأدب والصناعة والاقتصاد، والمدرسين وحتى أولياء الأمور.

فدعونا نتوقف عن البكاء على اللبن المسفوح والبقر المذبوح، ونفعل أي شيء.. وكما يقول المثل الذي ألفته خصيصا لهذا المشروع:

أن تفعل أي شيء أفضل من ألا تفعل أي شيء على الإطلاق J



هناك تعليق واحد:

  1. فكرة جميلة ، ولها أبعاد مفيدة لا يمكن إدراكها..

    بعض المؤرخين كان يعد خلافة المأمون ذروة العلو العلمي ، لأن المأمون نشط في عملية الترجمة للعلوم..!

    هذه الفكرة ستعزز من افتخارنا بلغتنا وانتماءنا لهويتنا ، وتثبت قدرتها على استعياب العلم..

    وفقكم الله في جهدكم وعملكم..

    ردحذف