هذه المدونة مخصصة لمناقشة مشروع الترجمة الجامعية، المفصل في هذا الموضوع:

مشروع الترجمة الجامعية: فكرة عبقرية لردم الفجوة الحضارية

ومناقشة كل إيجابياته وسلبياته، ونشر الاقتراحات الجديدة والتعديلات المستحدثة عليه، ومتابعة آخر تطورات المشروع وردود الفعل حوله.. لهذا أرجو منكم التفاعل والمشاركة بحماس في نشر هذا المشروع والسعي إلى تحويله إلى حقيقة.. ويسعدني تلقي اقتراحاتكم على البريد: msvbnet@hotmail.com.. ولا تنسوا المشاركة في استطلاع الرأي الموجود أعلى الصفحة الرئيسية.


الخميس، 21 يناير 2010

سؤال متكرر: هل مستوى الطالب في الإنجليزية يؤهله للترجمة؟

س: كلنا يعرف مدى تردي مستوى الطلاب في اللغة الإنجليزية وعجزهم عن الحديث بها، وأخطائم الإملائية والنحوية في كتابتها، فكيف تظن أنهم يستطيعون الترجمة، وهي عملية تحتاج إلى مهارات لغوية عالية؟


ج: الإجابة عن هذا السؤال تنقسم إلى عدة أجزاء:

1-    إذا كان مستوى التعليم ضعيفا إلى هذه الدرجة، فهذا المشروع سيكشف سوءاته، ويحفز المسئولين إلى تطوير التعليم من مراحله الأولى.. وأنا أعرف أن مستوى الطالب المصري أقل من المفترض في جميع المجالات وليس الإنجليزية فقط!.. وهذا خلل في التعليم، لا يجب أن نظل نعتبره مسلمة لا يمكن تغييرها.. وأحد أسباب هذا الخلل، الدعوة المستمرة إلى التسهيل وحذف الحشو وتخفيف العبء عن كاهل الطالب، في مناخ من الاستسهال يجعل مستوى التعليم ينحدر باستمرار، وقدرة الطالب على المثابرة تقل باستمرار!.. والترجمة العلمية هي خير تدريب عملي للطالب على اللغتين العربية والإنجليزية، وهي كذلك ترفع مستواه في المواد العلمية.. إذن فهي وسيلة لتطوير التعليم أيضا!

2-    دراسة الإنجليزية تتم من المرحلة الابتدائية بل والحضانة، ولا يعقل أن يكون مستوى الطالب الجامعي ضعيفا فيها إلى درجة عجزه عن فهم كتاب في تخصصه، وإلا فكيف يفهم المحاضرات، ويذاكر من المراجع، ويحل مسائل الامتحان؟.. فإذا كان طالب الجامعة بعد 12 عاما من دراسة الإنجليزية عاجزا عن القراءة بها، فما جدوى التعليم إذن، وكيف سيتابع الجديد في تخصصه بلغة لا يفهمها؟.. وكيف نمنحه شهادة التخرج أصلا؟.. بل كيف خرج من المرحلة الثانوية، بل كيف دخلها، إن لم يكن يجيد الحد الأدنى من الإنجليزية؟

3-    نحن هنا لا نطالب بكتابة إبداعات تخضع للموهبة والملكات الفردية، ولا بكتابة بحوث علمية تحتاج إلى أفكار مبتكرة وتجارب عملية وأجهزة مكلفة.. نحن فقط نطالب بكتابة مقالات علمية، تم إهدار مليارات الدولارات لتأهيل الطلاب في كل ما يتعلق بها من نحو وصرف وإملاء و Grammar وموضايع تعبير و Comprehension و Translation وأحياء وكيمياء وفيزياء ورياضيات و.. و... و....!.. طوال 12 عاما من التعليم قبل الجامعي.. فهل طالب الجامعة عاجز حقا عن فعل هذا؟.. وما الذي يصلح له إذن؟

4-    اقترحت إضافة مادة الترجمة العلمية في المرحلة الثانوية كتدريب أولي يقوي مستوى الطالب ويكون مدرس اللغة الإنجليزية مسئولا عن مراجعة المقالات المترجمة لتدقيق صحة الترجمة عن الأصل ويوجه الطالب إلى الأصوب والأدق، وبهذا يكتسب الطالب مهارات اللغة الإنجليزية بالممارسة العملية.

5-    اقترحت أن تنشر الترجمات الجامعية على موقع إنترنت، ويراجعها طلبة وأساتذة كليات اللغة الإنجليزية، وهؤلاء سيكتشفون أي خلل في الترجمة عن الأصل.

6-    اللغة الإنجليزية المستخدمة في المراجع العلمية لغة مبسطة مباشرة سهلة، بعيدة عن الكنايات والمجازات والتوريات المستخدمة في لغة الأدب.. سيكون الأمر معقدا فعلا لو طالبنا طالب الهندسة أو الحاسب بترجمة رواية أو قصيدة أو دراسة نقدية!

7-    الطالب يعرف المصطلحات العلمية في تخصصه، ويفهم المضمون العلمي من دراسته، مما يجعل ترجمة كتاب في مجاله أمرا أسهل كثيرا من ترجمة كتاب في مجال ليس متخصصا فيه.. لهذا لا أحد يطلب من المهندس ترجمة مرجع في الطب، ولا أحد يطلب من الكيميائي ترجمة مرجع في علم النفس!


8-    نحن في عصر الحاسوب، وكل منا لديه عشرات البرامج المساعدة للترجمة، وعشرات القواميس الرقمية المتخصصة.. الأمور صارت أسهل كثيرا مما مضى، ولن يجوب المرء المكتبات بحثا عن معنى كلمة، ففي ثانية واحدة سيفتح موقع ترجمة جوجل ويحصل على معناها، وهذا يسهل الترجمة حتى على من مستواهم ضعيف في الإنجليزية، بل ويعمل على تقوية هذا المستوى باكتسابهم مفردات إنجليزية وتراكيب لغوية جديدة أثناء ممارسة الترجمة!

9-    الطالب سيترجم من اللغة الإنجليزية، وهذا أسهل من الترجمة إلى اللغة الإنجليزية، فالحالة الأولى تحتاج إلى إجادة العربية أكثر من الإنجليزية، وهذا مفترض لأن العربية هي لغتنا الأم التي نمارسها يوميا، ومستوى الطالب فيها أفضل مهما ظن أنه سيء.. بينما الترجمة إلى اللغة الإنجليزية تحتاج إلى ممارستها ممارسة حية كلغة منطوقة ومكتوبة ومقروءة، مع إجادة أساليبها وبلاغياتها، وهذا لا يتوفر في بلادنا إلا لفئات محدودة من خريجي المدارس الأجنبية.

10-                    لا يجب أن نُغفل أن مستوى الطلبة في اللغة الإنجليزية في الكليات العلمية أعلى من غيرهم، لأن دخولهم هذه الكليات أصلا كان يتطلب مجموعا عاليا، وكثير منهم حصل على درجات عالية في اللغة الإنجليزية.

11-                    نظام التعليم في مصر يتغير بصورة ثورية حاليا، والثانوية العامة الجديدة على وشك التطبيق، ومن المفارقات أن امتحان شهادة إتمام الثانوية العامة الذي سيطبق من عام 2012 إن شاء الله (وهو غير امتحان 3 ثانوي الذي سيعتبر امتحان نقل)، سيكون في كل ما حصله الطالب في اللغتين العربية والإنجليزية طول سنوات التعليم، أما امتحانات المواد الأخرى فستكون في اختبارات القبول والمقابلات الشخصية في الكليات.. هذا إضافة إلى تقليص عدد المقبولين في الجامعات الحكومية، مما يعني فرز الصفوة، والباقون سيدخلون الجامعات الخاصة أو سيكتفون بالشهادة الثانوية (التي ستكون شهادة معترفا بها)، أو سيحولون منذ المنبعه إلى التعليم الفني.. لهذا يجب أن نفترض أن هناك طفرة في مستوى إجادة طلاب الجامعة للغتين العربية والإنجليزية في السنوات القليلة القادمة.


لكل هذا علينا أن نفترض أننا سنحصل على نسبة ملموسة من الكتب جيدة المترجمة، وهذا في حد ذاته مكسب كبير.. أما باقي الترجمات الأضعف، فسيتم تنقيحها في المراجعات، وستكون عرضة للأخذ والجذب والنقد من القراء الذين يتصفحونها على النت.

وأنا لي تجربة عملية في الترجمة، يمكنكم القراءة عنها في هذا الموضوع.. لقد كنت طالبا حينها، وكانت تلك تجربتي الأولى في الترجمة، وقد أرهقتني جدا واستغرقت حوالي 10 شهور، لكني بعدها اكتسبت خبرة كبيرة، وكونت معجم مصطلحاتي وأساليبي الخاصة، التي تجعلني حاليا أكتب بسرعة أكبر وأجد الأمر أسهل.. وأهم ما اكتسبته من هذه التجربة هو ثقتي بنفسي وبقدرتي على العمل الدائب لشهور طويلة، وعلى إنجاز الهدف المحدد.. لهذا حينما قررت تكرار التجربة لم أتردد كثيرا، لأني كنت واثقا أنني أستطيع إنجاز كتب أخرى بمشئية الله، كما أنجزت الكتاب الأول.. إن التجربة الأولى هي الأصعب، لكن بعد هذا يقول المرء لنفسه: لقد فعلتها من قبل، وأستطيع أن أفعلها مجددا بإذن الله.

والآن، أنا أخبركم بصراحة أنني لا أجيد الإنجليزية بأكثر من 70%، لكني أستطيع ترجمة كتب البرمجة والكتب الهندسية، ولي كتب منشورة على النت وكتب مطبوعة.. السبب في هذا أن الكتب العلمية تكتب بلغة مبسطة كما ذكرت.. إضافة إلى أنني ملم بمصطلحات الاتصالات والبرمجة، بحكم الدراسة والعمل والمتابعة.. لهذا من السهل أن أترجم إلى العربية في هذه المجالات، بشرط أن أستطيع صياغة جملة عربية واضحة وبسيطة.

طبعا يختلف الأمر تماما عند فعل العكس، وأنا أعترف أنني أجد صعوبة كبيرة في الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، ويستهلك الأمر مني وقتا طويلا ورجوعا إلى القواميس، وفي النهاية لا أضمن ألا يكون أسلوبي ركيكا في لغتهم بسبب عدم التمرس.. لكن هذه الحالة غير موجودة في الفكرة المقترحة، فلا يعنيا الآن أن نترجم من العربية إلى الإنجليزية، وليس لدينا علم أصلا يمكن ترجمته إلى الإنجليزية، وهذه كارثة وعار يجب أن نشرع في تغييره من الآن وليس غدا.

أخيرا: دعوني أضرب مثالا بسيطا يدل على أن طلابنا متوسطي المستوى في الإنجليزية قادرون على إخراج ترجمات جيدة.. فهم يترجمون ـ بدون أي متابعة أو إشراف من أحد ـ آلاف الأفلام والمسلسلات الأجنبية سنويا في مختلف المجالات (تاريخية ورومانسية واجتماعية وبوليسية وخيال علمي)، بالاعتماد على النصوص الإنجليزية المفرغة لهذه الحلقات، وبالاستعانة بالقواميس الالكترونية لمعرفة الكلمات الصعبة.

-       لا أحد من هؤلاء مترجم محترف (لأن وقت مثل هذا بنقود ولن يضيعه في ترجمة فيلم مجانا).

-       ومعظمهم طلبة (وإلا ما وجدوا وقت المشاهدة والترجمة).

-       وكلهم لا يحب القراءة والمشاهدة بالإنجليزية (وإلا ما أتعب نفسه في الترجمة وشاركها مع الآخرين)!

ومعظم هذه الترجمات جيدة كما قلت لكم، وأنا أحملها عند مشاهدة أي فيلم إن وجدتها، لأنها أفضل بمئات المرات من أن استخدم برنامج ترجمة آلية!.. ولو ضمنا وجود مراجعة لغوية لهذه الترجمات لتصحيح أخطاء النحو والصرف، لصارت أروع!

على فكرة: قيامي بالترجمة، ومشاهدتي الغزيرة للأفلام الأجنبية، رفعا فعلا من مستواي في اللغة الإنجليزية.. الممارسة خير وسيلة لتطوير المهارات، والقلق من ضعف مستوى الطالب للدرجة التي تجعله يرتعب من فعل أي شيء، هي أكبر عائق يحرمه من تجربة قدراته والتعلم من أخطائه، وبذل الجهد لتطوير ذاته، وتراكم كل هذه الخبرات لديه لجعل مستواه أفضل.

باختصار: لا تقلقوا.. أنتم أفضل مما تظنون، والترجمة ستكشف لكم هذا، وسترفع مستواكم، والتراجم التي ستتركونها سترفع مستوى الجيل الذي يليكم.. المهم أن نبدأ.. المهم أن نفعل شيئا، فالعجز والكسل والسكون لا تولد إلا البلادة والخواء والضعف والانهيار.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم اخوتي في الاسلام والعروبة.ان الترجمة هي الفن الثامن فهي لا تعني ان بالاطوار الدراسية يمكن لنا ان نطورها ونتقنها.فالترجمة تهتم باللغة واللغة تعني ثقافة مجتمع وتعريفا -عنوانا- لحضارة ما وبذلك يا حبذا ان نفهم بان الترجمة يمكن تاديتها بدون المرور على الاطوار الدراسية ووفق الله الجميع والسلام عليكم

    ردحذف