هذه المدونة مخصصة لمناقشة مشروع الترجمة الجامعية، المفصل في هذا الموضوع:

مشروع الترجمة الجامعية: فكرة عبقرية لردم الفجوة الحضارية

ومناقشة كل إيجابياته وسلبياته، ونشر الاقتراحات الجديدة والتعديلات المستحدثة عليه، ومتابعة آخر تطورات المشروع وردود الفعل حوله.. لهذا أرجو منكم التفاعل والمشاركة بحماس في نشر هذا المشروع والسعي إلى تحويله إلى حقيقة.. ويسعدني تلقي اقتراحاتكم على البريد: msvbnet@hotmail.com.. ولا تنسوا المشاركة في استطلاع الرأي الموجود أعلى الصفحة الرئيسية.


الاثنين، 19 أبريل 2010

الترجمة أهم دعائم النهضة اليابانية

دعونا نتعرف على بعض أسباب النهضة اليابانية التي بدأت في مطلع القرن التاسع عشر، ودور الترجمة فيها، من خلال مقالين لدكتور محمد سعد أبو العزم.
لاحظوا أن اليابان بدأت نهضتها في مطلع القرن التاسع عشر موازية لنهضة محمد علي، ولم تحتل مثلنا بعد هذا، ولم تجهض نهضتها، بل كانت متقدمة بما يكفي لجعلها تهاجم أمريكا في الحرب العالمية الثانية.. هذا معناه أن نهضتها الحالية لم تبدأ في السبعينات، بل قبل هذا بقرن ونصف.. ودمار البنية التحتية في الحرب العالمية لم يوقف هذه النهضة، فقد ظلت اليابان تملك الإنسان الذي يبني النهضة.. الإنسان صاحب الهمة الذي يفني نفسه في العمل، الذي امتص علوم الغرب بسرعة مدهشة، وترجم ملايين الكتب بسبب اعتزازه بلغته وثقافته (ترجمت اليابان أكثر من 175 ألف كتاب في العام 1975 وحده).
أحببت أن أنوه إلى هذا، لأن الكثيرين يظنون اليوم أن أمريكا هي التي بنت اليابان الحديثة التي نراها اليوم، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وأننا لو فعلنا المثل وارتمينا في أحضان أمريكا فسنصير دولة متقدمة كاليابان، ومن أقصر السبل!!.. لعل المقالين التاليين يوضحان لمن يظن هذا كم هو واهم:

تعالوا نستحضر روح ميجي: بقلم د.محمد سعد أبو العزم
هل شاهدت برنامج خواطر "أحمد الشقيري"، وهو أحد الدعاة الجدد الذي قدم برنامجه في رمضان الماضي من اليابان؟ حينها انتقلنا جميعًا إلى عالم آخر من الحضارة والقيم المثالية، وقلب علينا الكثير من المواجع حين قارن بين ما رآه هناك وبين أحوالنا في الوطن العربي.
إن لم تكن قد شاهدت البرنامج فأنا أنصحك بالبحث عنه من الآن، أما إن كنت قد تابعته وأبديت انبهارًا بتلك الحضارة الرائعة، فدعني أنقل إليك الصدمة التالية من خلال ما كتبته هيئة الإذاعة والتليفزيون اليابانية حينما اعتبرت أن بلادهم حاليًا تعيش أسوأ أيامها، وأن اليابان المعاصرة تقف عاجزة عن استشراف مستقبلها بوضوح‏،‏ وهي مثقلة بالعديد من المشكلات‏ مثل: قلة المواليد، ارتفاع متوسط الأعمار، قلة القوى العاملة، انخفاض القدرة التنافسية، وانهيار دور المدارس‏.
يجب أن نعترف بأن اليابانيين ليسوا من هواة جلد الذات، ولكنهم يحرصون في نفس الوقت على المراجعة المستمرة والمقارنة مع ما وصلت إليه الأمم الأخرى، وفي نفس الوقت فهم ينظرون إلى وضعهم الحالي في العالم مقارنة بوضعهم في الماضي، وإذا كان الكثير منا يظن أن اليابان قد استطاعت أن تنهض وتحقق معجزتها المعاصرة بعد الحرب العالمية الثانية، فدعني أنقل إليك المفاجأة التالية عندما تعرف بأن اليابان كانت قد وصلت إلى ذروة نهضتها  قبل ذلك بفترة، ولذلك فإن السبب الرئيس وراء قدرتها على العودة سريعًا بعد الدمار الشامل الذي تعرضت له في نهاية الحرب العالمية الثانية، هو وجود أسس النهضة ومقوماتها في عصر البناء الحقيقي، الذي يعود إلى الفترة من عام 1852 وحتى العام 1912، وهي الفترة المسماة بعصر "ميجي" نسبة إلى الإمبراطور الذي حكم البلاد في تلك الفترة.
"ميجي" كلمة لها وقع خاص في قلوب اليابانيين، فعندما يسمعها الياباني تتداعى إلى ذاكرته مخيلات شتى، فقد كانت فترة حافلة بالحراك السياسي والاجتماعي، غنية بالتجارب الإنسانية‏،‏ ومزدحمة بالتيارات الثقافية القادمة من الخارج‏، هذه الحقبة تعتبر هي نقطة انطلاق اليابان لتتبوأ مركز الريادة في آسيا القرن التاسع عشر. يهمنا اليوم أكثر من أي وقت آخر أن نتعلم من تلك الفترة التي استقبلت مرحلة التغيير مثلما نحن فيه الآن، استطاعت أن تنجز الكثير من الإصلاحات الواحد تلو الآخر، وبالتالي فهي مهمة للغاية لنا حتى نسير على نفس الطريق إن نحن عرفنا الخطوات التي تم فيها إنجاز هذا التقدم السريع في فترة وجيزة، يهمنا في العالم العربي أن نقف أولاً على مقومات النهضة اليابانية‏، ونتعرف علي الوسائل والطرق التي استطاع بها اليابانيون بناء دولتهم والمضي قدمًا في طريق التحديث دون أن يفقدوا هويتهم الثقافية‏،‏ بل إنهم استفادوا من تراثهم الثقافي الذي أدخلوا إليه العديد مما أنتجته الحضارة الغربية، ولكن بطرق وأساليب تناسب مجتمعهم‏، وتحقق لهم ما كانوا يرمون إليه من طموحات كانوا يضعونها في مشروعهم لبناء يابان غنية اقتصاديًا‏ وعسكريًا‏‏.‏
قد يكون من الطبيعي أن يحاول البعض المقارنة بين اليابان وبين بعض محاولات التحديث التي تشهدها بلادنا، لكن الموضوعية والحياد العلمي يلزمنا أن نقف على حقيقة التجربة اليابانية بكل جوانبها أولاً، ثم ننظر فيما لدينا من تجارب قد تتشابه في قليل منها مع ما قام به اليابانيون، ربما كان ذلك التشابه في طريقة الالتقاء بالغرب، أو في الإطار الخارجي للتعامل معه، أما في التفاصيل وما يختص طريقة التفاعل مع الآخر، وما أخذوا منه وما لم يأخذوا، وما فعلوا بما أخذوا، وكيف استمروا بعد ذلك ؟ فقد تم ذلك كله بمشاركة واعية من فئات الشعب المختلفة، وفي إطار من التوجه العام الذي قاده المفكرون وقادة الرأي الذين شاركوا بأنفسهم في صنع القرار، وعلى الجانب الآخر توجد لدينا تجارب لم يكتب لها الاستمرار.. ربما لأنها قد حرمت من كل تلك المقومات، أو أنها ترتبط بفترة لا توجد فيها مثل تلك المشاركة التي قامت بها فئات الشعب الياباني، ولذلك سرعان ما انتهت طموحاتها عند أول اصطدام لها بالمصالح الغربية، ولم تستطع إعادة بناء نفسها من الداخل، لأن الداخل لم يكن هو الهدف منذ البداية، ولم يكن ينظر إليه على أنه الأساس الحقيقي للنهضة في بلادنا.
إن ما يجعل يابان "ميجي" فريدة في تاريخ العالم هو محاولة بناء المجتمع الحديث والنظم الحديثة على أسس يابانية تقليدية، ومنذ ذلك العصر حاولت عدة دول نامية أن تفعل مثلما فعلته يابان ميجي ولكنها لم تستطع، لك أن تتخيل أن في الهند اليوم من يجعلون من الإنجليزية لغتهم الأولى، ويبلغ عددهم أكثر من 200 مليون شخص؛ هؤلاء جميعا انفصلوا تماما عن المجتمع الهندي التقليدي ويعيشون داخل مجتمع الاقتصاد الحديث.
شكرًا لصديقي العزيز "أيمن محمود" الذي لفت نظري إلى كتاب "ميجي" الثمين الصادر عن دار الشروق، والذي قام بجهد وافر في ترجمته الدكتور "عصام رياض" ليقدم لنا نموذجًا للتغيير الذي ننشده، حيث سنبحر في المقالات القادمة في عصر "ميجي"  لنعرف ما كان لدى اليابان من استعدادات ومقدمات انتهت بها للنجاح في تجربة التحديث‏، سنتعرف على تلك الظروف التي هيأت اليابانيين ودفعتهم للانطلاق بسرعة كبيرة‏ ليحققوا في ‏60‏ عامًا ما قد يستغرق من أمم أخرى قرونًا لتحقيقه.
دعونا نفهم سويًا كيف حدث ذلك التغيير في اليابان بالجمع بين القديم والجديد‏‏، بطريقة تجمع بين الاهتمام بالتعليم، وتفعيل العنصر البشري، واستقلالية الثقافة، ودراسة خصائص هؤلاء الناس الذين جعلوا التغيير ممكنا بعد إدراك الواقع وترتيب الأولويات.

روح ميجي حضرت، بقلم د.محمد سعد أبو العزم
عند التأمل في قصة حضارة اليابان، نجد أنها ارتكزت بالأساس على ثلاثة دعائم وهي: الحفاظ على التقاليد والتعليم والترجمة، ففي البدايات الأولى ظهرت العديد من الآراء والأفكار للتعامل مع الحضارة الغربية، فتبلور تيار يدعو إلى إتباع النمط الغربي بشكل كامل، على اعتبار أنه يمثل منتهى النجاح والتقدم، وفي مقابل ذلك ظهر من يدعو إلى مقاطعة كل ما هو غربي ويريد المضي قدمًا بالتقاليد اليابانية الخالصة وفقط، وما بين الاثنين ظهر المنهج الذي اختارته اليابان في ذلك العصر والذي يدعو إلى الانتقاء والاختيار من الغرب، ليظهر شعار تلك المرحلة روح يابانية وتقنية غربية، حيث قدمت اليابان طريقة مختلفة عن الدول الأخرى التي وقعت تحت الاحتلال في أنها حاولت أن تتعلم من الغرب بشكل إيجابي، لم يكن ذلك في مجرد استعارة منتجات الحضارة الغربية واستعمالها، بل في استيعابها وهضمها، ثم إعادة طرحها وقد اكتسبت خصوصيتها الثقافية، وتلك الطريقة كانت هي العامل الرئيس الذي جعل اليابان تحقق في عصر ميجي تغييرًا سريعًا وتتحول إلى دولة حديثة تقف في مصاف الدول الغربية الكبرى. كان الاهتمام الشديد بالتعليم كأساس للتحديث ميزة أخرى من مميزات عصر ميجي فقد وضع الجميع مستقبل بلادهم في تعليم أولادهم، وحرصوا على تحويل هذا الشعار إلى حقيقة واقعة، كانت المدارس تمثل نقطة مركزية للمنطقة التي تقع فيها، فجعلت منها قوات الإطفاء وفرق الدفاع المدني مقرًا رئيسًا لها، كانت كل الأنشطة المجتمعية تنطلق وتتحرك من المدرسة، ويمكن القول إن ما يعرف اليوم بوحدات الحكم المحلي كانت تجتمع في المدرسة وتتمركز حولها، لدرجة أنه كان ولا يزال بكل مدرسة حجرات خاصة تسمى صالون التواصل، وهي مخصصة للأنشطة المجتمعية وتقوية العلاقات مع المنطقة المحيطة بالمدرسة، يركز النظام الياباني للتعليم على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى الطلاب تجاه المجتمع، بادئًًا بالبيئة المدرسية المحيطة بهم، وأول ما يُدهش زائر المدرسة اليابانية، وجود أحذية رياضية خفيفة عند مدخل المبنى المدرسي مرتبة في أرفف تحمل اسم صاحبها، حيث يجب أن يخلع التلاميذ أحذيتهم العادية لارتداء هذه الأحذية النظيفة داخل مبنى المدرسة، ومن الشائع في المدارس اليابانية أيضًا أن يقوم التلميذ عند نهاية اليوم الدراسي بتنظيف القاعات الدراسية وغسل دورات المياه وجمع القمامة، وكثيرًا ما ينضم إليهم المدرسون لتنظيف الحدائق العامة والشواطئ في العطلة الصيفية، حيث لا توجد شخصية «الحارس» أو «الفراش» في المدارس اليابانية، وإذا كانت الإحصائيات تشير إلى أن اليابان قد أسرفت في استثماراتها في التعليم بالنسبة لنصيب الفرد من الدخل القومي، فإن سرعة التنمية الاقتصادية ووصول اليابان إلى مستوى اقتصادي وتكنولوجي كبير يؤكد وجود علاقة قوية بين القوى العاملة المتعلمة والنمو الاقتصادي.
المحور الثالث والهام في بناء الحضارة اليابانية هو الترجمة.. وهي الأداة التي استطاع اليابانيون استخدامها بفاعلية وبخصوصية شديدة جعلت من الممكن وبشكل عملي بناء الأشياء الجديدة على أشياء قديمة، وهي طريقة يابانية خالصة لم نرها في أي بلد أخر، فبينما كانت الهند ودول جنوب شرق آسيا التي وقعت تحت الاستعمار لا تجد أمامها إلا أن تطبق التعليم باللغة الانجليزية أو الفرنسية حتى تستطيع تحديث بلادها (تمامًا كما يتعلم أبناؤنا في الجامعات الآن كل المعارف باللغة الانجليزية ولنفس الأسباب)، نجد أن دخول العلوم الغربية إلى اليابان يتم بلغتهم، فلم يستسهل اليابانيون تقديم الحديث من المعارف باللغات الأجنبية، وإنما تم بذل مجهود خرافي لترجمة جميع أنواع العلوم وأحدثها إلى اللغة اليابانية، ومن أجل الحفاظ على الخصوصية الثقافية استحدثت العديد من الكلمات المترجمة وصيغت باللغة اليابانية لتحل محل الكلمات الأجنبية، فكان المترجمون يقومون بعملهم في استماتة شديدة إلى حد الجنون، وعلى سبيل المثال فقد صدرت الأوامر بترجمة القانون المدني الفرنسي من مجموعة قوانين نابليون، وبالرغم من عدم إلمام المترجمين باللغة الفرنسية وإلمامهم بالهولندية والانجليزية فقط، فإن المهمة كان يتم تحديدها باليوم والشهر الذي يجب أن تتم فيه الترجمة كاملة، وتكون النتيجة هي مواصلة الليل بالنهار من خلال استخدام معاجم فرنسية وهولندية، وهكذا قاموا بإنجاز مشروع كبير للترجمة الشاملة التي أصبحت هي الأساس في إدارة دواوين الحكومة والمدارس والحياة الاجتماعية.
إن الحرص على لغتنا والتمسك بها والحفاظ على استقلالية الثقافة، لا يؤدي مطلقًا إلى الانعزال، كما أن الحفاظ على ثقافة بلادنا لا يعني بالضرورة مقاطعة الثقافات الأجنبية، بل إن فهم الثقافة القومية حق فهمها يؤدي إلى فهم الثقافات الأخرى، ويبقى في النهاية أهم درس يمكن أن يعطيه عصر ميجي لواقعنا العربي.. فقد استطاع النظام الحاكم باليابان في ذلك الحين أن يوجه الطاقات المختلفة للبشر ويجمعها في اتجاه واحد، ونجح في أن يظهر وعي المجتمع تجاه هدف محدد يسعى الجميع نحو تحقيقه.
صدقوني.. إن سلوك طريق النجاح ممكن، ومعرفة أسرار النهضة ليست بالأمر المستحيل، ولكن ما نحتاجه أن نتعلم من دروس الآخرين لنبدأ من حيث انتهوا، وقبل ذلك وبعده لا بد أن تتوفر لدينا الإرادة الصادقة للتغيير، فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

هناك 3 تعليقات:

  1. fully supporting you

    وربنا يوفقني وأكون مترجم عن قريب إن شاء الله

    ردحذف
  2. طبيب جراح:
    شكرا لك أخي الفاضل، وأحييك على عزمك، وأدعو الله لك بالتوفيق.
    تحياتي

    ردحذف
  3. الترجمة تزيد من قوة اتقان المترجم للمادة او المرجع اكثر من القراءة العادية

    ردحذف