س: لماذا تصور لنا أن الترجمة هي طريق النهضة العلمية؟.. هل ستوفر الترجمة المعامل والتمويل والأبحاث والتقنية الحديثة؟
ج: كلنا يعرف أن الترجمة وحدها لا تصنع التفوق التقني.. لكن الترجمة خطوة هامة جدا لردم الفجوة الحضارية، لأنها تعطي الشباب إحساسا بأهميته وقدرته على الإنجاز، وأنه ترك شيئا مفيدا لمن بعده.. إن الشعوب التي لديها مشاريع قومية عملاقة تتقدم، لأن شبابها يشتعلون حماسا وتتغير طرق تفكيرهم وسلوكهم.. كان الشباب في مصر يدخلون كلية الهندسية في الستينات بسبب مشروع السد العالي.. كل منهم كان يريد أن يكون جزءا ممن صنعوا هذا الصرح، ليشارك في المعركة بطريقة أخرى.. طريقة البناء.
الآن، لا توجد أية مشاريع قومية تجذب الشباب، ولا أحد يريد منهم شيئا سوى شرب البانجو والتحرش بالفتيات ومتابعة الموضات وأحدث طرز أجهزة المحمول والسيارات!
والنتيجة الطبيعية أن لدينا أجيالا من رجال الأعمال لا تريد حتى أن تفكر في شيء مفيد تفعله بنقودها.. أنا اشترى كل يوم لعب أطفال هي قطع من البلاستيك والتروس مستوردة من الصين، وأتساءل في دهشة: هل نحن عاجزون عن صناعة لعب أطفال بهذه التفاهة، مع أن مبيعاتها بالمليارات؟
لكن.. من الذي سيصنعها؟.. ولماذا؟
نحن شعوب استسهالية، لا تريد أن تتعب في شيء!
والأسهل أن تستورد من الصين وتأخذ عمولتك، وتنفق نقودك على راقصة (وفي رواية أخرى تقتلها) أو في منتجعات أوروبا، وتكون في أتم الرضا عن نفسك!
نفس هذا الكلام ينطبق على كل موظف وكل عامل وكل شاب يتعلم بصورة أو بأخرى.. المهم هو أن يمر وقت العمل، وأن نحصل على الدرجات والرواتب والترقيات، وأن نستهلك الحياة وكفى.
ولا يمكن بأي حال أن يقوم شعب مترهل الشعور والعقل بهذا الشكل بإنجاز أي شيء!
وما لم نحفز طاقات جيل جديد من هذا الشعب بطريقة عملية، فلن يتغير أي شيء إلا إلى الأسوأ.
التقدم لا يأتي للكسلاء.. لعل هذا يرد من يتهمني بأني أريد تحميل الطلبة مسئولية التغيير لأني لست طالبا.. طالما ظللنا بهذا الكسل وانتظار المعجزة وأن يتحمل آخرون عنا ما يمكن أن نقوم به، فلن نخرج من تحت سطح الأرض!
وهناك شق آخر للإجابة، حيث لا توجد أمة تتقدم بلغة لا تتكلمها، لأن من ينتظر العلم من غيره، يظل ينتظر التقنية منه، ونموذج الشخص صانع الحضارة، هو نموذج الشخص المعتز بنفسه وقوميته وبلده وتراثه ودينه، المليء بالتحدي والرغبة في إثبات الذات.. أما المستهلكون المستسهلون الواقعون في غرام العدو فلا يمكن أن ينتجوا شيئا!
ونظل نأمل أن يخرج لنا مشروع الترجمة نوعا آخر من القادة والمفكرين ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات يغير الواقع الحالي، بفكر مستنير ومنهج علمي وتخطيط محكم وعمل جاد، ليطوروا التعليم والصناعة والبحث العلمي، ليتم استثمار ابتكارات واختراعات من سيقرؤون هذه الكتب المترجمة، فتنطلق النهضة التي طال انتظارها.
أخيرا: هذا مشروع واحد من ضمن مئات المشاريع التي يمكن تبنيها كل في مجاله وتخصصه.. ولا مانع من أن يدعو كل منكم إلى مشروع النهضة الذي يراه ممكن التنفيذ ويتوقع منه تغير واقعنا القبيح.